الأربعاء، 22 أبريل 2015

هدف إبليس النهائي ونظرية التطور- أ/حازم هنداوي

هدف إبليس النهائي ونظرية التطور

أ/حازم هنداوي

 

بسم الله، والحمد لله، ونصلي ونسلم على رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم.

هذه المقالة تعبر عن خواطر خطرت لي حول مسيرة العالم الحاضر إلى أين ستذهب بنا في المستقبل القريب. أردت مشاركتها معكم لعل الله يرزقني وإياكم البصيرة ويلهمنا رشدنا. فما كان فيها من صواب فبفضل الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.

كل مسلم يعلم أن هدف إبليس هو إضلال البشر بحرفهم عن الطريق المستقيم الذي وضعه الله  للعباد (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) بجعلهم يعبدونه من دون الله (ولأضلنهم) (لأغوينهم أجمعين) سواء بطريقة مباشرة كما يفعل عبدة الشيطان والمجوس، أو بطريقة غير مباشرة بجعلهم يشركون بالله سواء بعبادة آلهة معه كالأصنام أو بعبادة أهوائهم.

ولكن السؤال هو هل هذا هو هدفه الوحيد  أي مجرد أن يكون إلهًا زائفًا لدى البشر؟

الجواب في ظني والله أعلم بالصواب هو لا، فحلمه وهدفه الحقيقي والنهائي وهو الأهم لديه هو أن يصير إلهًا حقيقيًا وندًا لله سبحانه وليس مجرد أن يكون إلهًا زائفًا فقط، فهي مجرد خطوة على الطريق لحلمه النهائي، وهذا قد يفسر طلبه من الله الخلود إلى يوم القيامة (فأنظرني إلى يوم يبعثون)، ثم استمراره بتكبر عجيب في خطة إضلال البشر رغم توعد الله له بجهنم (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين)، فلو كان الأمر لمجرد إثبات أن آدم وذريته لا يستحقون التكريم الإلهي لما استمر في خطته رغم توعده بجهنم كجزاء على ذلك، ولما انتقل من إضلال البشر إلى إضلال الجن أيضًا (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا)، ونرى في الأحاديث الشريفة وصفًا لمجلس إبليس مع الشياطين بأنه يضع عرشه على الماء في نوع من المحاكاة بزعمه لرب العالمين.

 ولتحقيق حلمه كان عليه استغلال ما وهبه الله للبشر من قدرة غير مسبوقة على التعلم والمعرفة (وعلَم آدم الأسماء كلها) (علم الإنسان ما لم يعلم)، فأراد استخدام من يطيعه من البشر كمطية لتحقيق مآربه (لأحتنكن ذريته إلا قليلًا)، فعمد من قديم إلى تزيين الدنيا للبشر حتى ينكبوا عليها ويجعلوها غاية ويبحثوا عن أسباب الخلود فيها كما فعل مع عاد (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون)، ولكن سعيه كان يبوء بالفشل دائمًا بعد أن يجيء عذاب الله باستئصال القوم الكافرين، ثم بعد أن جاءت رسالة الإسلام وأمن إبليس على أتباعه الكفار من الإهلاك العام  قبل الساعة (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) تجدد أمله في مواصلة أجيال الكفار جيلًا بعد جيل تقدمهم في المعرفة الدنيوية وفي أبحاث الخلود، وحيث أن تطور التقنيات والمعارف البشرية قفز قفزة هائلة بعد الثورة الصناعية ازدادت لهفة إبليس وطمعه في سرعة إنجاز مأموله، ورأى أن الأديان السماوية -حتى لو كان ببعضها  شرك وتثليث- عقبة في طريق الهدف لأنها على الأقل تعطي الأمل بالخلاص لأتباعها في الآخرة مما قد يزهدهم في الدنيا، فأوحى إلى أوليائه بنظرية التطور لكي يسقط الإله من الأذهان ولكي يمهد الطريق للإلحاد حتى يصير الخلاص الوحيد للبشر الملحدين هو الدنيا، فينكبوا عليها بكل قوتهم في سعي محموم للخلود واللذة الدائمة مما يساهم في سرعة تحقيق حلم إبليس النهائي.

ونظرية التطور تتبنى عزل الخلق عن الخالق العليم الحكيم، وتجعل تصميم المخلوقات يتم عن طريق طبيعة عمياء لا عقل لها، وبالتالي فيوجد عيوب في تصميم البشر يجعلهم عرضة للعطب والألم والمرض والشيخوخة يجب معالجتها من الجذور، فتجد الأبحاث منكبة على التعديل الجيني بما يسمح بتجدد الخلايا المستمر دون وقوع خلل في النسخ يسبب السرطان، أو بزراعة أعضاء مستنسخة جديدة بدل التي شاخت في البدن، أو بإصلاح العطب في البدن باستخدام الروبوتات النانوية مما يمد في عمر البشر لخمسمائة عام على الأقل، ثم بعد ذلك يطمحون للتخلص من الجسد البيولوجي الذي لا يعجبهم بالكلية ونقل الوعي البشري للحاسوب بحلول عام 2045 عند الوصول للتفرد في الذكاء الصناعي كما جاء على لسان عالم المستقبليات راي كروزويل وغيره، بل صرح بعضهم بأنه يرى أن الصورة المثلى للبشر هي أن يكونوا سحابة مشحونة من غاز متأين بوزن 50 كجم تسبح في الفضاء، وطبعًا يقلقهم أن الأبحاث النظرية تشير إلى أن الكون قد ينتهي بعد تريليونات السنوات ولكنهم يطمحون للوصول لمرحلة خلق الأكوان قبل هذه النهاية، ويطلقون عليها حضارة المستوى الرابع (حضارة الآلهة)، فهم يعتبرون أنفسهم حضارة من المستوى صفر، والمرحلة التي تليها من مستوى واحد وهي حضارة كوكبية أي تملك التحكم في الكوكب بصورة كاملة، ثم تليها حضارة من مستوى اثنين وهي حضارة نجمية تتحكم في النظام الشمسي بأكمله، ثم حضارة من مستوى ثلاثة وهي حضارة مجرية تتحكم في المجرة بأكملها، ثم حضارة من المستوى أربعة وهي الحلم النهائي في الخلود المطلق كما جاء على لسان عالم الفيزياء ميتشيو كاكو وغيره.

هذه هي أحلامهم التي أوحى الشيطان لهم بها، وهم يسعون بدأب لتحقيقها وإزالة أي عقبات في سبيل تحقيقها، ولذلك نرى الشراسة منقطعة النظير في محاربة كل من ينقد التطور بالحقائق أو يقول بالتصميم الإلهي، وكذلك المحاولة الحثيثة لنشر العلمانية وإزالة الفهم الحقيقي للدين من الحياة وحصره في المسجد فقط، أو إبداله بفهم مزيف يجاريهم في أفكارهم ويلبسها ثوبًا إسلاميًا حتى لا يكون الدين عقبة في طريقهم ويقيد حريتهم في الانطلاق نحو الخلود والسعادة الدائمة في نظرهم، ويصير البشر كلهم تروسًا في هذه الآلة الشيطانية العابدة للدنيا والتي صبغت العالم بصبغة مادية كئيبة بعيدة كل البعد عن الوحي الإلهي الذي هو الحياة الحقيقية (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) أما هذه اللوثة المادية فهي الموت بعينه.

 نحن نعيش في زمن فتنة مظلمة ربما تكون هي نفسها فتنة الدجال التي هي فتنة آخر الزمان الواردة في الأحاديث الشريفة –سواء آمنت بالدجال أو لم تؤمن به-، فهي لا تقل عنها بحال. ولذلك يجب على كل مسلم أن يتعلم دينه جيدًا، ويستمسك بالدين بكل ما يستطيع، ويراعي الضوابط التي وضعها الشرع لكل شيء في هذه الحياة، فمثلًا التداوي مباح ولكن منع الشرع التداوي بمحرم، وهكذا في كل شيء هناك حدود شرعية يجب عدم تجاوزها، ولا يصح أبدًا تبديل الشرع لكي يوافق الواقع، فالواقع للأسف الشديد يبتعد عن الوحي يومًا بعد يوم، والساعة تقترب أكثر وأكثر ونسأل الله النجاة من الفتن وألا نكون من شرار الخلق.

ويعلم المؤمن يقينًا أن حلم الخلود والتأله هذا لن يتحقق لهم بحال (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه)، والساعة ستأتيهم بغتة (فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون)، ولن يجدوا مهربًا من قدرة الله (وما هم بمعجزين في الأرض ولا في السماء).

 ونظرية التطور حتى لو حاولنا إلباسها لباسًا إسلاميًا، وسميناها بالتطوير فهذا لن يغير شيئًا في جوهر النظرية من ادعائها أن التصميم ليس غائيًا بل يتغير باستمرار ليلائم الظروف وبه عيوب قد تنصلح مع الوقت وقد لا تنصلح (سمكرة على عيبه)، وبالتالي هذا يفتح الباب على مصراعيه لتغيير خلق الله تحت مسمى الإصلاح والتحسين وتحقيق غايات ومقاصد الشرع.

لذا يجب علينا عدم تصديق كل ما يقال خاصة من جهة رؤوس الملاحدة وأذنابهم، وعدم الافتتان بكلام التطوريين وادعاءاتهم وأكاذيبهم، ومسايرتهم فيما يزعمونه، وتغييب الوعي الناقد، مما قد يؤدي لانغراس أفكارهم الإلحادية في اللاوعي، ويجب عدم اتباعهم بسذاجة وحسن نية بحجة أنهم يريدون الخير للبشرية، وأنهم أناس طيبون متسامحون متنورون، فالشيطان لم يأخذ استراحة بعد عصر التنوير وحقوق الإنسان، بل فقط يهيئ نفسه وأتباعه لفتنة أكبر من الاضطهاد الديني والاقتتال بين البشر، وهي فتنة الدنيا الكبرى بكل ما تحمله كلمة فتنة من معنى.

ونسأل الله أن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.

فهرس مقالات مدونة نقد التطور- د/منى أبو بكر زيتون

مقالات مدونة نقد التطور مجموعة في كتاب بعنوان "الإلحاد والتطور.. أدلة كثيرة زائفة" يمكن تحميل نسخة pdf عبر الرابط https://p...