التطور
والمغالطات المنطقية
د. منى
زيتون
من يتحلى بالتفكير
العلمي الحقيقي لا يستخدم مغالطات منطقية، ويفهم العلاقات العليّة بشكل سليم، ولا
ينخدع بالحُجج الدائرية، كما لا يستخدم حُجة لا تنبع بالضرورة من المعطيات، ولا
يعمد إلى التحريف لجعل حُجته تبدو قوية وسليمة، ولا يعمد إلى إثارة مشاعر المتلقي
وخلط الخطاب العاطفي مع العقلاني للتأثير على المتلقي وإقناعه بفكرة غير سليمة
منطقيًا.
وهذا ما لا يفعله منظرو
التطور ودعاته الذين يصرون على استخدام أخطاء الاستدلال ويكررونها في بناء حججهم
مهما تم لفت نظرهم إليها! ويصرون على طرح التطور على العامة بقناعة كبيرة وإظهار
الثقة لتوصيل رسالة خاطئة أنه حقيقة علمية مثبتة، بدلًا من استخدام حجج قوية لأنهم
ببساطة لا يملكونها. وطريقة العرض الدعائية العاطفية التي يستخدمونها تجعل العامة
لا ينتبهون لضعف أو عدم وجود الرابطة المنطقية بين ما يقولون.
الحجة الدائرية Circular Reasoning
التطور ما هو إلا مجموعة
من الفرضيات الخيالية، وتقوم غالبًا على حُجج دائرية لا منطقية تصادر على المطلوب،
فتكون فيها المقدمة التي يضعونها هي النتيجة التي يخلصون إليها! فتقتضي
أن تسلم بصحة المقدمة سلفًا بدلًا من أن تقدم برهانًا على صحتها (استخدام
الاستنتاج المراد الوصول إليه كأحد المعطيات)، فالحجج
الدائرية هي أشهر نوع من المغالطات المنطقية التي يستخدمونها لأنهم لا يملكون
برهانًا يقدمونه.
وللأسف فرغم شيوع الحجج
الدائرية وتقديم المخادعين بعض المقدمات في شكل مسلمات صحيحة فقليل من يتعلم أن
يفند هذه المقدمات بدلًا من التسليم بها ثم البناء عليها!
وعادة ما يُصاغ الاستنتاج بطريقة
أخرى ويقدم كمعطى قد لا يبدو مشابهًا للاستنتاج من الوهلة الأولى.
مثال (1): أنجح مدير على الإطلاق هو المدير أحمد لأنه أفضل مدير
بتاريخ الهيئة.
بمعنى آخر فقد قررت أن أحمد ناجح
دون إبداء سبب مقنع، والسبب الوحيد الذي تم ذكره
تبريرًا للادعاء بنجاح أحمد هو أنه ناجح!
وإن كان قد تم تقديم الاستنتاج بصيغة ضمنية
(ناجح= أفضل مدير بتاريخ الهيئة).
مثال (2): العيون الزرقاء نشأت عن طفرة لأن كل هؤلاء الأفراد ذوي
العيون الزرقاء لهم سلف مشترك واحد.
ولو سألتهم ما الدليل على وجود هذا السلف
المشترك لهم سيردون بأنه حدوث الطفرة لدى هؤلاء الأفراد جميعًا! فالطفرة المدعاة صارت دليلًا على السلف المشترك، والسلف
المشترك دليلٌ على الطفرة!
وفي رابط الفيديو المرفق يشرح د.ستيفن ماير مؤلف كتاب "توقيع في الخلية" كيف يستخدم التطوريون الحجة الدائرية بتقرير معيار يصادر المطلوب ليعمل بطريقة منحازة دائرية، تبدأ بأن نظرية التصميم الذكي ليست علمية وتنتهي بأن ادعاء وجود حكمة في الخلق غير علمي!
ويمكن تلخيص أدلة
التطوريين الدامغة على صحة نظريتهم باستدلال دائري ساذج يقول: "التطور حقيقة لأنه حقيقة!". أو استدلال
دائري آخر أكثر تحايلًا: "التطور حقيقة مثبتة!
لكن البحث في آلياته وأدلته لا زال مستمرًا!".
والجديد في هذا الشأن هو حديث بعضهم عن أن "التطور هو نظرية تنظم حقائق! وتفسر مجموعة هائلة من
الحقائق!".
والمشكلة أنهم لا يشعرون
هم ومن يدافع عن نظريتهم بحجم المسخرة العلمية والمنطقية التي يوحلون أنفسهم فيها!
مغالطة عدم الترابط (تجاهل المطلوب)
تستخدم مغالطة عدم
الترابط عندما تكون نتيجة الحُجة لا تنبع بالضرورة من المعطيات، أو بمعنى آخر
فالنتيجة قد تكون صحيحة أو غير صحيحة ولكن تكون الحجة غير سليمة لأن هناك عدم
ترابط بين المعطيات والنتيجة.
وهذه المغالطة أيضًا من
المغالطات التي يكثر من استخدامها بعض من يروجون لنظرية التطور العرب الذين لا
يعرفون الكثير عن النظرية، فيتعمدون الابتعاد عن جوهر النقاش، وطرح حجج لا علاقة
بينها وبين القضية المطروحة المطلوب البرهنة عليها. وأي مغالطة يتم فيها تحويل مجرى
النقاش تُسمى بمغالطة الرنجة الحمراء.
مثال (1): سيبقى العرب متأخرين طالما
يرفضون التطور!
فما علاقة تأخر العرب بنظرية التطور؟! وهل هذا
برهان على صحة نظرية التطور؟!
يريد من يذكر هذه المغالطة أن يكون في أذهان
المستمعين ارتباطًا أو علاقة سببية بين رفض أغلب العرب لنظرية دارون وتأخرهم،
ولهذا لا يفوت مثل هذا المتحدث فرصة للطعن حتى في البيولوجيين العرب الرافضين
للنظرية واتهامهم بالجهل!
مثال (2): لا يختلف التطور عن دوران الأرض
حول الشمس، كلاهما نظريتان لا ينكرهما سوى الجهلة!
من ثم فكأن منكر التطور
بالضرورة هو جاهل رجعي منكر لحقائق العلم، لأن التطوري لا يملك برهانًا ليقدمه على
صحة التطور فحشره مع حقائق العلم ليأخذ حكمها!
مثال (3): دارون عالم فذ لا يقل عن نيوتن
وأينشتاين.
فالعبارة تهدف لمضاهاة
دارون بعلماء أفذاذ تم التدليل على صحة نظرياتهم بأدلة حقيقية، لترسيخ صحة
نظريته في الأذهان بدلًا من تقديم براهين حقيقية على صحة فرضياتها، فهل أينشتاين
جاء بمغالطات وأكاذيب ليدلل بها على صحة نظريته؟!
وهل لأن نظرية أينشتاين ثبت صحتها فإن نظرية دارون تكون بالضرورة صحيحة هي الأخرى!
وهذه ليست فقط مغالطة عدم ترابط بل هي أيضًا من قبيل مغالطات
المقارنات الكاذبة المضللة.
وأتساءل، هل منطقة بروكا المسئولة عن التفكير
المنطقي تعمل لدى التطوريين أم أن كل من يتبنون نظرية التطور يتلقون خبطات على
رءوسهم تصيبهم بتلف فيها؟
وهناك المزيد من المغالطات يستخدمها التطوريون
أهمها مغالطة الانحياز المعرفي، فرغم
ثبوت خطأ فرضيات كثيرة سبق وطرحها التطوريون نجد كتابات رءوسهم لا تغفل هذه
الأمور، فحتى الآن نجد من يستخدم رسوم أجنة هيجل المزيفة وقانون التلخيص الخاطئ
تمامًا في تطور الأجنة، وفرضية أوبارين لنشأة الحياة وتجربة يوري وميلر، ويذكرون
تجربة لينسكي دون توضيح أن جين البكتريا قد تم تنشيطه ولم يتم تخليقه، وغيرها
الكثير من الأكاذيب التي لا زالوا يضللون بها العامة عمدًا.
إضافة إلى الاحتكام
إلى الجهل فهم يغيرون في شجرة التطور وبناء العلاقات التطورية ويغيرون
في عمر الأرض وأعمار الحفريات وزمن انفصال هذا النوع عن ذاك على هواهم، وهل يملك
أحد أن يكذبهم ويبرهن على بطلان هذه الأوهام والخيالات؟! فما يقولونه حقيقة طالما
لا نملك إثبات خطئه، بينما لا يقدمون دليلًا حقيقيًا على ما ادعوه.
ومن مغالطاتهم الشهيرة التفسيرات غير المتسقة والانتقائية التي يعطونها
لتفسير الظواهر في ظل نظرية التطور، وشعارهم في هذا أن الظاهرة في كل الأحوال تدعم
التطور، ويكفي أن نقرأ تفسيراتهم للتوزيع الحيوي للأنواع على الأرض، ونتائج
مقارنات الجينوم للأنواع المختلفة، لنر كيف يفسر التشابه والاختلاف في خدمة
التطور.
إضافة إلى الشخصنة ومحاولة توجيه الإهانة للمؤمنين بوجود خالق بأنهم تكوينيون؛ ذلك أن الملاحدة صاروا في زماننا شديدي التباهي بإلحادهم! والادعاء في المقابل بأن جُل العلماء يقبلون التطور –وهو احتكام إلى الكثرة والسلطة- وأن هؤلاء التكوينيين ليسوا علماء! وبلغ الأمر أن موقع الويكيبديا سجل عن د.ستيفن ماير أنه دكتور في اللاهوت.