الأفكار
الإلحادية المضمنة في نظرية التطور
د/منى
زيتون
الأحد
24 مايو 2015
http://www.arabpens.com/2015/05/blog-post_24.html
الخميس
27 يونيو 2019
http://www.almothaqaf.com/a/qadaya2019/937930
من أكثر ما نقرأ إمرارًا هو
دعاوى بعض المنبطحين فكريًا للغرب عن عدم تعارض نظرية التطور مع ما جاءت به
الأديان!
ويدعي هؤلاء أن الاتجاه
الطبيعي في علم الأحياء -الذي هو نزعة مادية صرفة- لا يتعارض مع استمرار إدارة
الله للكون وقيوميته عليه! ولا يعني أن الطبيعة تبدع وتخلق!
وبالرغم من أن المنطق السليم
يقتضي أن يكون الرد على مدى صحة نظرية يُدعى أنها علمية بالأدلة العلمية والفلسفية
والمنطقية، وألا نستدل بآيات القرآن والكتاب المقدس، لكن يكون الرد من منظور ديني
-والذي قد نستخدم فيه بعض الآيات- منطقيًا على من يزعمون اتفاق نظرية التطور مع
الدين؛ مدعين أن التطور هو أسلوب الله في الخلق، لأن هذا من باب الزعم باتفاق
نقيضين، فمن تفلسف جاهلًا باتفاقهما وجب الرد عليه، وهذا ليس من باب الكلام الفارغ
بل الملآن.
بدايةً، وقبل مناقشة تفاصيل
ما تدعيه نظرية التطور مما يتنافى تمامًا مع ما قررته الأديان السماوية لا بد أن
نقرر ونتفق مع كل من قال إننا حين نتحدث عن الفرق بين الإلحاد في الشرق والغرب يجب
علينا الاعتراف أن المجتمعات الغربية لديها ميراث هائل من الأفكار والمقاربات التي
امتدت لقرون حتى انتهت بالإلحاد لعدم قدرة المسيحية على المواءمة مع العقل، بينما
الملحدون الشرقيون يلحدون تقليدًا دون فكر ودون علم. ومن خلال معرفتي بعينة لا بأس
بها منهم أستطيع أن أضيف أنه تكون لمعرفتهم القشورية بنظرية التطور وتصديقهم بها
أثرها الكبير في إلحادهم.
وبالنسبة
لتأثير نظرية التطور على اللاهوت المسيحي، أرى أن تأثيرها قد انقسم إلى
قسمين رئيسيين:
·
زعزعة الإيمان بنظرية الخلق القائمة على الكتاب
المقدس، تلك التي تفسدها بعض الأرقام الواردة في التوراة، ومن ثم فهي حقيقة تشوه
تاريخ الحياة على الأرض.
وللعلم فإن نظرية الخلق ليست هي ذاتها نظرية
"التصميم الذكي" التي بالرغم من اشتراكها مع نظرية الخلق في القول
بالخلق المستقل للأنواع الحية، فإنها تستند إلى أسس علمية ويشترك في الاعتقاد بها
إضافة إلى المتدينين بديانات مختلفة بعض اللا أدريين، وأشهرهم ديفيد برلنسكي.
·
زعزعة الإيمان بالله، ومن ثم انتشار الإلحاد لدى
كل من فهم النظرية حقيقة وأولهم صاحبها دارون.
فالإيمان بنظرية التطور هو بالفعل أحد أهم أسس
الإلحاد، ولا يمكن منازلة الملحد دون معرفة بنظرية التطور.
لكن من المؤكد أيضًا أن المعرفة لا تساوي المسايرة والانبطاح الفكري وتأويل الدين
ليتناسب مع الفكر الإلحادي كما يفعل دعاة التطور ممن لا زالوا على دين الإسلام،
ونتعرض في هذا المقال إلى أشهر مغالطاتهم ونتناولها بالرد عليها.
الإيمان بالانتخاب الطبيعي على خلفية
قرآنية
يدعي هؤلاء أن آيات
القرآن لا يُستدل منها على الخلق الخاص؛ إذ
يقرون
أنهم يؤمنون بالانتخاب الطبيعي على خلفية قرآنية، ويذكرون عددًا من آيات الكتاب
العزيز ويفسرونها بما يخالف سياقها لإثبات التطور؛ بينما لا يوجد دليل على التطور
أساسًا من القرآن إلا عند من يعبثون بآياته ويحرفون الكلم عن مواضعه.
وهذه الآيات القرآنية التي يحاولون إخراجها عن سياقها القرآني تستحق
مقال بحياله لتوضيح كيف أن محاولة إيجاد علاقة بين تلك الآيات والتطور هي محاولة
تعسفية.
كما
يتصورون أن الكل يؤمن بالتطور بطريقة أو بأخرى! ويقصدون التطور الموجه من الله، والذي
يدّعونه ويؤمنون به! والسؤال هو: من الذي أفهمكم هذا؟! من صور لكم أن الكل يمكن أن
يؤمن أن خلق الأنواع كان بالتطور بتوجيه من الله كما تدعون؟!
وإيمانهم بذلك الانتخاب الطبيعي يجعلهم يصرون على أنهم عندما يقولون إن الطبيعة
تمارس دورًا في الخلق فهذا لا يعد شركًا بالله بل إن هذا من قبيل تسبيب الأسباب،
وعمل الطبيعة شأنه شأن لقاء الرجل بالمرأة، وقضاء الجنين البشري فترة الحمل في
الرحم، بزعمهم! فلم يقل أحد إن تلك العمليات تخلق الفرد بل هي مسببات لإتمام عملية
خلقه المقدرة بواسطة الله سبحانه وتعالى، وكذلك
يجب أن ننظر للانتخاب الطبيعي!
والمغالطة التي يسوقونها
هنا هي في وصف عمل الطبيعة وفقًا لتصورهم أنه مجرد تنفيذ لإرادة الله وكلمته ﴿كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]، فالدور الذي
تعطيه النظرية للطبيعة هو دور إبداعي creative role وليس دورًا تنفيذيًا.
ونضرب مثالًا –ولله المثل
الأعلى- بشخص اخترع اختراعًا، فإن قام أشخاص بتنفيذ تصميم اختراعه أمام عينيه
وبإشرافه فهم لا يدعون أنهم أصحاب الاختراع، فليسوا هم من أبدعوه، ولكن عندما يريد
أحدهم أن ينازعه في براءة الاختراع، وينسب إلى نفسه أنه مبتكره فهذا شيء آخر، وهذا الدور هو ما يتم عزوه إلى الطبيعة في نظرية التطور.
فالنظرية لا تدعي أن
الطبيعة تنفذ مشيئة الله كما يحاول منظرو التطور الإسلامي أن يقنعونا، ومحاولاتهم
للتوفيق أشبه بحديث مشركي قريش عن الإيمان بالله وهُبل! والتبجح بعدم وجود مشكلة
في الإيمان بكليهما! والمزاوجة بين الله والطبيعة حط من شأن الله وشرك به، لو كنتم
تفقهون.
الأكثر مهانة للإنسان أن يكون
مخلوقًا من طين!
من
المغالطات الفكرية التي يستخدمها هؤلاء أيضًا استخدامهم اللعب على المصطلحات،
فيدخلونا في سفسطة يتضح منها أنهم يرون أن الأكثر مهانة للإنسان أن يكون مخلوقًا
من طين وتراب عن أن يكون مخلوقًا من حيوان، ويقولون أليس الحيوان خُلق أيضًا من
طين؟! علمًا بأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه كرّم بني آدم، كما أخبر أنه ﴿بَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾، وأنه خلق كل
دابة من ماء، وأي مؤمن بالله على أي ديانة توحيدية لا يرى فما أخبر به ربه إهانة،
ولا يتفلسف بمحاولة تأويل أمر واضح أخبره الله به صراحة، فعندما يختار الله سبحانه
وتعالى للإنسان أن يكون خلقه من طين فهذا هو الأكرم له، والأمر لا يخضع لأهواء
المضلين.
كما
يخلطون حديثًا ليس هذا مقامه عن أفضلية البشر على بعضهم البعض بالعمل الصالح أو الطالح
بهذا التخبيص المصاحب لتسفيه أصل الإنسان الطيني.
ومن
مغالطاتهم الأخرى المصاحبة لتلك المغالطة ادعاء أن المؤمن لا يجد حريجة في أن
يُقال إن أصله خلية واحدة، فلِم التحرج من الأصل الحيواني؟! والحقيقة أنه عندما لا
يجد المؤمنون حريجة في أن يُقال إن أصل الإنسان خلية واحدة، فهم بهذا لا يقبلون
خرافات التطوريين، فالخلية الواحدة التي نقبل أن يُقال إنها أصلنا هي إشارة إلى
الزيجوت المتكون من اتحاد الحيوان المنوي بالبييضة، وليست تلك الخلية الحية الأولى
التي يفترض التطوريون أنه قد انبثقت منها كل الأنواع الحية، ولا يجدون مع ذلك
تفسيرًا لكيفية نشأتها!
وقد
قال دوكنز –أكبر مبشري التطور- لـ بين ستاين في مقابلته معه في وثائقي
"مطرودون": إن تلك الخلية الحية ربما أتت من الفضاء الخارجي، لكن من المؤكد
أنها نشأت بطريقة ما بالانتخاب الطبيعي!"، وطبعًا فمثل تلك الأنماط البائسة
في التفكير هي التي تعجب المتعالمين.
ومن
تفلسفات التطوريين المعروفة أيضًا فيما يخص تسفيه أصل الإنسان وفقًا للأديان أنهم
يهزؤون من أي عامي بسيط يرفض التطور ويقول لهم إن الإنسان ليس أصله قرد، ويردون
عليه متعالمين: "من أخبرك أن دارون قال إن الإنسان أصله قرد؟ بل قال دارون:
إن الإنسان والقرد ينحدران من أصل واحد مشترك!".
والسؤال
هنا: عندما تبحثون عن الأصل المشترك الأقدم المدّعى الذي يجمع الإنسان بالشمبانزي
بزعمكم، هل أنتم تبحثون عن حفرية كائن أقرب للإنسان منتصبة القامة ولها جهاز صوتي
يسمح بالكلام؟ أم تبحثون عن حفريات قرود بدائية غير منتصبة القامة لتمثل لكم تلك
الحلقة الوسيطة بين الإنسان والقرد؟
إن
الحقيقة المرة التي تحاولون تزييفها أنكم تبحثون عن قرد بدائي ليكون جدكم، وهذا
العامي البسيط الذي تسخرون منه يفهم الحقيقة العارية كما هي، فليس الخلقويون من
يلعبون بالألفاظ. وعلى كلٍ.. من يرتضي لنفسه أصلًا حيوانيًا يتكلم عن نفسه، ولا
يتفلسف على باقي البشر. نحن جدنا آدم وحواء كما أخبرنا الله تعالى، وليس خنزيرًا
وقردة تزاوجا فنشأ الإنسان الأول، كما ذكرتم في واحدة من أحدث تخبيصاتكم.
http://www.theguardian.com/science/occams-corner/2013/dec/04/theory-chimps-pigs-hybridisation
لو
كان هناك تصميم وخلق مستقل لما وُجدت عيوب في الخلق!
المغالطة
الفكرية الثالثة التي يروج لها هؤلاء المنتسبون للإسلام أدعياء الداروينية أنهم
يقولون إنه لو كان هناك خلق مستقل لكان كل شيء في مكانه بلا زيادة ولا نقصان ولا
عيوب! ويقررون أنهم يرون تصميم كثير من المخلوقات ومنها الإنسان معيبًا، ولكن مع
بعض التفلسف الذي يبررون به كونه معيبًا –حاشا لله- كجزء من ملحمة الدراما
الإنسانية! ويكتبون عن الضعف البشري وغيره.
ومن
المعروف أن ما يُسمى بالأعضاء الأثرية وعيوب التصميم يُعتبران من أقوى ما يستدل به
التطوريون على صحة نظريتهم، ولي مقالان علميان مفصلان بالأدلة العلمية في الرد على
هاتين الشبهتين. وأدعياء الداروينية من المسلمين لا يستطيعون رفض هذه السفالات
المنسوبة لله سبحانه وتعالى، وعليه يقودهم الإيمان بالتطور إلى أن يعيبوا التصميم
الإلهي كالملاحدة، متبعين خُطا إبليس، ناسبين إلى الله النقص!
كما
أن نظرية التطور تناقض برهان النظم وهو من أقوى الأدلة على وجود الله تعالى لأنها
تطعن في وجود ذلك النظام والتصميم في الكون البادي لكل من له بصر وبصيرة، لكن مدعي
التطور من المسلمين ممن يتصورون إمكانية المزاوجة بين الماء والنار يدّعون أن
برهان النظم لا يُفترض أن نستدل به على إثبات بعض صفات الله ومنها الحكمة من كل
وجه، وهذا طبيعي لمن يصدق دعاوى التطوريين بأن هناك عيوبًا، فمن يخلق عيوبًا كيف
سيكون حكيمًا؟! هل تعرفون أن ما تذكرونه يعتبر إلحادًا في أسماء الله لمن يفهم؟!
يقول
أحدهم في إحدى خطبه: إنه "من البلاهة والغباء أن يُقال إنه لو كان الإنسان
مُصمَمًا لإله حكيم قدير لكان ينبغي أن يكون تصميمه على أحسن ما يكون. لا، هو مراد
أن يكون تصميمه هكذا!".
وهذا
حالهم جميعًا؛ إذ لا يفرق التطوريون –خاصة من هم على دين الإسلام- بين ما يسمونه
عيوب التصميم التي يعيبون فيها على الخالق زورًا بجهلهم وينتقصون من عظمته
وإبداعه، وبين حدوث بعض ما شاعت تسميته بالعيوب الخلقية للجنين منذ الميلاد، بل
وأحيانًا لا يميزون بينها وبين المرض ويعتبرونه عيبًا.
وهذه
من أكبر مغالطاتهم، فتصميم الله سبحانه وتعالى لكل عضو يكون في أعلى وأفضل جودة
وفقًا للوظيفة التي أوجده ليؤديها، ولكن الله لم يخلقنا لنخلد بل لنعيش على الأرض
فترة نُبتلى فيها ثم نفنى، ويأتي بقوم غيرنا. وعليه فهذا الكيان المصمم بطريقة
رائعة عُرضة لأن يعطب سواء كان هذا العطب ناشئًا من لحظة الميلاد، وهو ما يُسميه
الناس عيوبًا خلقية، أو بعد الميلاد خلال مشوار حياته، وهو ما يُعرف بالمرض.
ويمكن
التشبيه بسيارة ذات تصميم مثالي، ومع ذلك قد يحدث فيها خطأ أو عجز سواء من المصنع
أو بسبب الاستخدام، حتى تتكهن في آخر المطاف بعد سنوات.
فكل
شيء خلقه الله في مكانه بلا زيادة ولا نقصان ولا عيوب، ومن يعرف حقيقة الحياة
والغرض من وجوده فيها لا يسأل عن سبب مشكلة لازمته من لحظة ميلاده ولا مرض ولا
موت. أنت لم تُخلق لتُعمر في الأرض. أنت وُجدت فيها لتُبتلى ثم تُحاسب وتُجازى
وتبدأ بعدها حياتك الحقيقية. والمفترض أنكم مؤمنون ولستم ملاحدة، ومقتنعون بهذا،
أليس كذلك؟! لكن الحقيقة إن كل من يؤمن بالتطور ويبرر له لا بد له أن ينطق كفرًا.
والله
﴿خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾. الله لم
يخلق شيئًا عبثًا، ومن يدعي أنه يؤمن بخالق بارئ مصور، وأنه نظم الكون وكل ما فيه
بذكاء، ويدعي مع ذلك وجود عيوب في خلقه، في إيمانه شيء؛ فالمنطق يقول إنه لا يمكن
للذكي أن ينتج تصميمًا مشوهًا معيبًا.
تدعون
أنكم مؤمنون بالله وأن أسلوب الله في الخلق هو التطور الموجه، فهل خرجت الطبيعة عن
توجيهه وخالفت رغبته وأنتجت عيوبًا؟!
إن
مجرد الإصرار على تكرار وجود عيوب في الخلق لا يليق بمؤمن، فما بالنا أن كل ما
يدعيه التطوريون عيوبًا ليست بعيوب! إن من يردد هذا الكلام هو مؤمن بالتطور فقط،
وليس حتى بالتطور الذي يحاولون أن يلفوه بصبغة دينية كاذبة؛ لأن المؤمن بوجود تطور
في ضوء توجيه الله –وحاشا لله أن يوجه فقط فكل الخلق صنع يديه- لا يسأل سؤالًا من
هذه النوعية (لماذا تكون هذا العضو أو ذاك؟). لا يمكن لمؤمن أن يتساءل ببلاهة
الملحدين لماذا خلق الله هذا الكائن هكذا؟ ويرى أن تصميمًا ما في خياله المريض
سيكون أفضل للكائن أو العضو مما خلقه الله عليه.
ولكن
العقل الضحل والتفكير السطحي هما ما يجعلان صاحبهما لا يرى عظمة الله في تصميم
كونه وتنوع مخلوقاته، والجهل بوظائف كثير من الأعضاء في الأنواع الحية هو ما
يجعلهم يدعون أنها بلا وظيفة وأثرية أو معيبة التصميم! والعجيب هو استمرار ترديد
تلك الخرافات حتى بعد أن أثبت العلم وظائف هامة لكثير مما اعتبروه في الماضي أعضاءً
أثرية!
إن
ادعاء وجود عيوب في خلق الأعضاء تم عزوها لأثر التطور وليس لتصميم الله سبحانه هو
قول يشرك الطبيعة مع الله في الخلق، ويطعن في حكمة الله وإحاطته بخلقه، كما يطعن
في غائية الخلق وأن كل شيء خُلق متكيفًا مع ما هو ميسر له من البداية، ويدعم نظرة
أخرى ذات طبيعة إلحادية بأن كل شيء قابل للتعديل والسمكرة ولم يُخلق ابتداءً لذا
فهو ملئ بالعيوب، وحاشا لله.
لذا
أكرر أن الإصرار على ترديد وجود عيوب تصميمية في الخلق هو فكر إلحادي صميم، ينبغي
التحذير منه، ويمكن لأي متفلسف أن يدخل إلى أي منتدى إلحادي ويقرأ ما يكتبون.
يقولون: "الله ربكم –وحاشاه- مهندس فاشل"! كما يتندرون بوجود مشاريع
يسمونها "إعادة تصميم جسم الإنسان"، والأغبياء من ورائهم يجارونهم
ويرددون سفاهاتهم في حق الله.
ولنا
مقالات نرد فيها على ما ادعوه عيوبًا في التصميم إن كان هناك من يريد أن يتثبت أن
ربه عليم حكيم، وأن الطبيعة لم تعبث بعشوائية وتخلق كصانع ساعات أعمى على حسب وصف
دوكنز، ولكن من الواضح أن هدف كثيرين هو الانتصار للتطور حتى لو طعن في حكمة وعلم
الله وعاب خلقه.
﴿هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
[لقمان:
11].
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ
الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 7].
﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
[المؤمنون:
14].
﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18].
وعن
أولئك الذين يدعون الإيمان
بالله والتصديق بنظرية التطور معًا فهم أحد صنفين: إما متعالمين لم يدرسوا
النظرية أو لا يفهمون فيها شيئًا لضعف درايتهم بعلوم التاريخ الطبيعي، فهم جهلة
وضعاف عقول لا يعرفون شيئًا عن العلم أو المنطق، ولولا جهلهم بالنظرية وعقولهم
السطحية ما احتفظوا بإيمانهم، فلو فهموا حقيقة ما يقول دارون وما يستتبعه الإيقان
بصحة النظرية فهذا
يعني أنهم فقدوا إيمانهم وجحدوا آيات الله وكفروا بها.
والبعض
الآخر منهم ممن نقرأ منشوراتهم وتعليقاتهم ممن يكتبون كلامًا لا يُغتفر، ويصل بهم
الحال إلى العيب في الذات الإلهية والإلحاد في أسمائه (البارئ والخالق والمصور)
وجحد آيات من كتاب الله ﴿الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 7]،
﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:
88]، لأجل عيون دارون ونظريته، فهم في أحسن أحوال الظن بهم ملحدون جزئيًا وصورة
الله في أذهانهم مشوهة، أما إن أسأنا الظن فلديهم بعض الشكوك في وجود الله وإن
كانوا يكتمونها.
والشرك
والإلحاد أنواع وأشكال، ومثل هذا الشخص الذي يدعي أن الطبيعة خلقت بتوجيه من الله
ليس كافرًا بوجود الله، ولكنه يشرك الطبيعة مع الله في الخلق دون أن يشعر، ويلحد
في أسماء الله أيضًا دون وعي، وهذان ليسا بالإلحاد ولا بالشرك اللذين يوجبان
الخسران المبين في الآخرة، ولكنهما يبقيان اعتقادًا فاسدًا في الله سبحانه وتعالى.
إن
نظرية التطور تحتوي على أفكار رئيسية لا يمكن أن تتفق مع الإيمان بالله، واقتناع
أي مسلم بها يطعن في صحة إيمانه، ولا يمكن بتاتًا الإيمان بالله وبالتطور لأن
مقتضيات الإيمان بأيهما يتناقض مع الآخر.
إن
هذه النظرية تجرجر من يتمسك بها للكفر رويدًا رويدًا، وعندما تعاند وتحاول أن تبرر
لها زورًا سيلهمك الشيطان تبريرات كفرية، فيكون الهدف هو إثبات التطور حتى لو كان
ما تقول ينفي وجود الله أو أنه الخالق، ومن تجرجره النظرية القذرة من لسانه في
الدنيا ربما ستجرجره في الآخرة على قفاه في النار.
والعجيب
أن بعض أذناب التطوريين العرب لا يملون من تكرار الإسطوانة المشروخة أن هناك من
العرب من لا يدرك الاستتباعات الخطيرة لنظرية التطور على قضايا الإيمان، ويكثرون
من الحديث عن الشباب الذين يقرأون التراث العلمي ويحرجوننا! والشباب من هذه
النوعية الذين يتحدث عنهم هؤلاء قشوريون متعالمون، لا يملكون أدوات التحقيق والنقد
العلمي؛ لذا لا يفهمون ما وراء كل دليل مطروح مما يُدعى فيه العلمية من خداع، لذا
فهم يحرجون هؤلاء ممن لا يعرف الواحد منهم كيف يرد عليهم إلا بخداع نفسه وخداعهم
بتوافق التطور مع الدين.
ويسعدنا
في المقابل أن نكون ممن لا يقبلون الانبطاح عقليًا مثلهم، ممن يرفضون تأويل وتحريف
العقيدة لتتوافق مع التطور، ممن يرفضون الخداع العقلي باسم العلم ويصرون على نقد
وتحقيق أدلة التطوريين علميًا ومنطقيًا وكشف زيفها. وهو ما سأعرضه في سلسلة من
المقالات العلمية المطولة في الرد على التطوريين، لمن أراد الإطلاع عليها.